نظريتان في مواجهة صفقة القرن

نظريتان في مواجهة صفقة القرن

  • نظريتان في مواجهة صفقة القرن

اخرى قبل 5 سنة

 

نظريتان في مواجهة صفقة القرن

بكر أبوبكر

 النقاشات هذه الأيام في أطر حركة فتح مستمرة دلالة الثراء والغنى الديمقراطي، رغم تكالب المشاكل والأزمات التي أصبح وضع البيانات لتحليلها ضمن البداية القائلة:(في هذه الفترة الحرجة أو في هذا المنعطف التاريخي) مثارا للسخرية والتهكم عند الجماهير، فكل فتراتنا التاريخية حرجة وأزمات ولا تحتاج في البيانات السياسية والتحليلات لتكرار مثل هذه العبارة المستهلكة.

تماما كما أصبحت الإدانات من الدول العربية للاعتداءات الوحشية الصهيونية المتكررة ليست ذات بال ومدعاة للسخرية أيضا، فلا دعاء ولا قطران.

تخوض الأطر الداخلية في حركة فتح صراعا سياسيا فكريا حقيقيا بين عدد من النظريات التي تحاول أن تجد طريقا في ظل "الاستعصاء" الحاصل في السياق الداخلي، والعربي وفي إطار هيمنة النظام الامبريالي الأمريكي الاستعماري المتصهين على عقول الضعفاء من قادة العرب والامة.

في أكثر من لقاء ضم كوادر مخضرمة في الحركة ومن القيادات التاريخية دار الحديث حول قضايا الساعة من المصالحة أو الوحدة الوطنية، وحول أهلية منظمة التحرير الفلسطينية، وحول الفكر المنغلق للتيارات الإقصائية، وحول ما يتم ترتيبه للمنطقة من "خوازيق" ومخططات لإنهاء قضية فلسطين، وتزيد من التفتت والتجزؤ في كافة الاتجاهات، وحول الحكومة الجديدة، وحول الدور العربي المأمول ولكنه غير المعمول به، وضمن صيحة ما العمل؟ أو ما الاستراتيجية المطلوبة...الخ، لتبرز نظريتان أو رأيان أساسيان حول التعامل مع ما يسمى صفقة أوصفعة القرن.

ترى النظرية الأولى أن صفقة القرن تحظى برفض فلسطيني شامل بغض النظر عن خلافات الفصائل بين شمال وجنوب، وبغض النظرعن تناطح الكراسي من قصيري النظر، والحصص الحزبية المقيتة، وبغض النظر عن تعملق الفكر الانتهازي هنا وهناك، وعن تدخلات دول الاقليم وما حوله .

 هذه الصفقة "الموعودة" و المشؤومة لا تحتاج لتبيان مضمونها مكتوبا، فمضمونها المعمول واضح الدلالة ويقصد بذلك القرارات اللاشرعية التي اعتمدها الرئيس الامريكي كاستباق لأي مفاوضات أو صفقة قادمة، إذ قام بالاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال ونقل سفارة بلاده لها، وألغى ملف اللاجئين، وأغلق بوابة الأموال الامريكية والاسرائيلية وبعض العربية على فلسطين، وقام بإعطاء أرض عربية وهي الجولان هدية عيد للاحتلال الصهيوني، وأشار عبر ممثليه المخلصين لنتنياهو لأكثر من مرة لرفض حل الدولتين، فلا استقلال ولا سيادة، كما الإشارات العلنية لضرورة الحفاظ على أمن الكيان الصهيوني وتمركزه الأبدي في الضفة الغربية التي بات حتى الساسة الأمريكان يطلقون عليها المصطلح التوراتي الخرافي (يهودا والسامرة).

 بل وتمادى الامريكي في ادعاء أن المستوطنات/المستعمرات في بلادنا فلسطين لا تشكل مشكلة مطلقا! ما يثير ويجلب منطق الإقرار بوجود دولة المستوطنين/المستعمرين (القومية العنصرية) في أرضنا، عدا عن تكرارالتأكيد على شرعية استعمار الحدود مع الأردن بالقوات الاسرائيلية، ومع كل هذه المعطيات حسب النظرية الأولى يأتيك من يقول انتظر صفقة القرنظ فماذا تبقى لنا أصلا! لذا نحن نرفضها مسبقا.

أما في الرأي الثاني الذي رغم رفضه للمقدمات الامريكية، فإنه يرى ضمن ديباجة طويلة الى أن الفكر العملي أو الواقعي السياسي يفترض عدم الخروج عن مسرح الأحداث مهما كلف الأمر، لا سيما والضعف العربي، فلسنا في موقع قوة داخليا وعربيا، ويفترض عدم الانكفاء أمام الاسرائيلي أو الدولي مشيرا الى أننا عندما كنا لا نواجه الاسرائيليين في السياسية، كنا نخسر ولم نتقدم إلا حين حاشرناهم بالمحافل، لذلك يرى أصحاب هذا الرأي أن نحتفظ بقدرتنا على المناورة والتكتيك من خلال التعاطي مع "صفقة القرن" الموعودة بمنطق فتح الباب و الاطلاع عليها، وليس رفضها مسبقا مع احتفاظنا بحق القبول أو الرفض او التعديل، وأشار أحدهم الى أن "بن غوريون" وافق على قرار التقسيم في سياق لنرى!

إن النظريتين في حركة فتح على اختلافهما بالرؤية لطريقة التعاطي مع المجهول/المعلوم تريان ضرورة لايجاد استراتيجية وطنية جامعة تتعامل مع المتغيرات الداهمة، وتبديان تشككا كبيرا في النوايا الصهيو-أمريكية لأنهما معا تريان في الدور الامريكي الحالي دورا تخريبيا تدميريا في المنطقة بشكل غير مسبوق حيث تقوم الإدارة المتصهينة الحالية بممارسة سياساتها في منطقتنا ضمن مسار يستند لخمسة عوامل:

الأول: سياسة التفتيت والتشتيت للآراء والمواقف عبر الحفاظ على خط الافتراق بين الشمال والجنوب ( بين الضفة وغزة) أي بين حركة فتح وحماس، ليس وفق المضمون المرذول للفكر المغلق أي مقاومة مقابل استسلام! ما هو غير صحيح، وإنما وفق المصلحة الاسرائيلية الامريكية التي ترى بتوسيع الشرخ ودعم إمارة غزة المستقلة! وتدمير القرار الفلسطيني المستقل مكسبا عز نظيره، وكما حصل في تدمير معطيات الاتفاق العربي في المحيط عبر إثارة او دعم إثارة النعرات الاثنية والطائفية والقبلية شرقا وغربا.

الثاني:الضغط والتهديد- حيث تقوم الإدارة الامريكية بالضغط الشديد والتهديد العلني والمبطن سواء للسلطة الوطنية الفلسطينية أو للدول العربية ضمن منطق سطوة القوة ومنطق الابتزاز حيث الحماية مقابل المال وحيث الدبابة مقابل برميل النفط (فنحن نحمي عروشكم وكروشكم، وعليكم أن تدفعوا لأمريكا وأرجلكم فوق رؤوسكم!)، لذا يتم تطبيق المبادرة العربية بالمقلوب تماما، بكل بساطة.

الثالث: تقوم السياسية الحالية على الإغراء لمجموعات غير وطنية أو أفراد باعوا أنفسهم لأمير الظلام (من الفلسطينيين والعرب سواء) ينظّرون للاحتلال الصهيوني أو (الإدارة المدنية) ويطبّعون معها وذلك عبر تسهيلات وظيفية واقتصادية بل واعلامية عبر مساحات على التواصل الاجتماعي تجعل من الاحتلال جنة الله على الأرض! في معاداة جليّة لكافة فصائل العمل الوطني ذات الشمال وذات الجنوب.

الرابع: تقوم الإدارة بممارسة الخداع، كما لم يسبق لها نظير فهي تقول ما لا تفعل وتفعل ما لا تقول في العلاقة معنا، وتفعل ما تقول بل وتفعل قبل أن تقول استجابة للمطالب الصهيونية التي تتعامل معها كقدر اوكحتمية تاريخية/دينية، وكأن "ترامب" و"نتنياهو" هما موسى وهارون "اسرءيل" القديمة، او "اسرائيل" الجديدة الموهومة بالعنصرية والنقاء والقداسة والاحتلال والتوسع الإلهي، وضاربة بعرض الحائط بالقرارات الدولية والقانون الدولي.

خامسا: الانحسار أو الانسحاب من التوافقات الدولية والانكماش في إطار النظرة الامريكية الإقصائية، في سياق صراع الحضارات التدميري للآخر، والتوقف عند نظرية التفوق والعنصرية وعدم الحاجة للآخرين.

إن هذه  السياسة الأمريكية لا تجد لها إلا رفضا في حركة التحرير الوطني الفلسطيني- فتح على إختلاف طرق المعالجة أو التعامل معها ، وأكاد أرى أنها أيضا في الفصائل الأخرى تكاد تتفق في التشخيص والرفض.

ومع الاتفاق على التشخيص والنظرة للخطر الداهم فإن الفصائل تقف مرتبكة او جامدة او محتارة او مامورة وغير مستقلة، إذ النار تحرق البيت وأهل البيت منشغلون بأنفسهم، كما حال أهل بيزنطة والفتح العربي الاسلامي على الأبواب يناقشون كم ملاك يقف على رأس الدبوس أو من قبل من البيضة أو الدجاجة!؟

 تقف حركة فتح مرتبكة رغم مظاهر التقدم السياسي النظري في المحافل الدولية الملتفة حول حقنا في الاستقلال الوطني لدولة فلسطين القائمة بالحق الطبيعي والتاريخي والقانوني،.

 وتقف الفصائل الوطنية الفلسطينية-وحماس والجهاد فصيلان وطنيان-عاجزة عن رسم سراطية (استراتيجية) وطنية شاملة للكل بلا استثناء للخروج من المأزق/الأزمة التي حاقت بنا (في هذا المنعطف التاريخي)! فنرى التبارز المظهري سواء في المقاومة الشعبية هنا أو هناك وبشكل موسمى لا يرقى لجعلها منهج حياة ذو أركان وأسس تؤدي للتحرير والاستقلال.

 ونرى شعارات مرفوعة على رايات سود تطالب بسحق الاعداء، فيما الأمراء منشغلون بخطب ود الوسطاء المنكوبون بحب العدو ومغازلته، دون أن يمد أحدهم اليد المفتوحة لأخيه، مشكلين سياجا  ملتفا نحو منظومة الشرعية الفلسطينية ولو الإسمية التي كانت ومازالت حامية الوجود القومي الفلسطيني حتى الآن أي حول منظمة التحرير الفلسطينية.

 

 

 

بكر أبوبكر

كاتب وأديب عربي فلسطيني

في الفكر والدراسات العربية والاسلامية

 

التعليقات على خبر: نظريتان في مواجهة صفقة القرن

حمل التطبيق الأن